تخطى إلى المحتوى

معجزة فتح حساب جاري: كيف تغيرت تجارب العملاء السابقة؟

المتابع لحال البنوك في السعودية خلال الثلاثة عقود الماضية لا بد وأن لاحظ بما لا يدع مجال للشك كيف تحولت البنوك تحولاً جذرياً في عدة مجالات. لم تعد البنوك ذلك المكان الذي لا يمكن الحصول منه على أي خدمة أو منتج إلا بوجود رصيد كبير، أو واسطة تخترق الأنظمة الغير واضحة والمتفاوتة فيما بين البنوك، أو حتى “بالمزاج”، وذلك فقط عند محاولة فتح حساب جاري جديد.

الشاهد الأبرز على التغيرات الحذرية هي التحولات التقنية المهولة التي جعلت من العديد من الخدمات البنكية في متناول يد شريحة واسعة من العملاء في أي وقت ومكان. فعلى الرغم من أهمية تواجد الفروع على مقربة من العملاء، وخصوصا لتنفيذ العمليات التي لا يمكن تنفيذها عن بعد، إلا أن العديد من الخدمات يمكن للعملاء القيام بها عبر أجهزتهم المحمولةـ ابتداءاً من فتح الحسابات الجارية، مرورا بتنفيذ العمليات المتكررة مثل الحوالات وسداد الفواتير، وحتى التقدم للحصول على البطاقات الائتمانية والقروض الشخصية والعقارية. لم يعد فتح الحسابات تلك المسألة المعقدة التي تتطلب الكثير من الجهد والواسطات!

هذان المشهدان يقفان على النقيض تماماً في مسيرة زمنية مرت بها البنوك السعودية في رحلة قبول العملاء وفتح حسابات جديدة لهم.

لازم تودع 5000 ريال عشان نفتح لك حساب.

كانت هذه الجملة التي ترددت كثيراً على مسامع الكثير ممن نعرفهم، وذلك عندما توجهوا للبنوك لمحاولة فتح حسابات جديدة. لم يكن حتى مبلغ الـ 5000 ريال ثابتاً، بل كان يتغير بتغير البنك، وحتى بين فروع البنك الواحد، وبمزاج الموظف. لم تكن هناك سياسة واضحة ونظام يحدد فعلاً شرط الإيداع النقدي المبدئي بمبلغ معين حتى يتمكن العملاء من فتح حسابات جديدة.

نموذج مشاركة في موقع ADSLGATE لتجربة فتح حساب جاري

لم تكن البنوك تبالي كثيراً بفتح حسابات جديدة لمن لا يبدو عليهم أنهم يملكون أرصدة معتبرة، أو الذين لا يعملون ويحصلون على رواتب شهرية يمكن تحويلها للبنك. لم يتمكن الطلاب من فتح حسابات منفصلة -والطلاب الجامعيين كان لديهم حساباتهم البنكية المحدودة الخدمات عن طريق الجامعات-.

مو مشكلة، ندبر 5000 ريال، لكن..!

لم يكن شرطاً أن يسمع الشخص الذي يحاول فتح حساب أنه يتوجب عليه إيداع مبلغ معين لفتح الحساب. كان أحدد أشهر أسباب الرفض أيضاً أن الفرع غير قادر على فتح حسابات لعدم توفر النماذج المطلوب تعبئتها وتوقيعها من قبل العملاء، أو أن الفرع وصل للعدد الأقصى من عدد الحسابات التي يتم فتحها يومياً، أو حتى وجود مشاكل في النظام!

أتذكر أحد أغرب أسباب رفض فتح الحسابات كان “الموظف المسؤول عن فتح الحسابات في إجازة حالياً”. غرابة السبب ليست في سبب كون وجود موظف يختص بهذه الأمور عن غيره (فيوجد في الفروع صرافين وموظفي خدمة عملاء، كلٌ في تخصصه)، ولكن الغرابة أن تتمركز هذه الخدمة عن موظف واحد، تختفي باختفائه وتعود بعودته! لم يكن هناك موظف بديل، ولم يكن هناك شيء يدل على أن الموظفين الآخرين قادرون على تقديم نفس الخدمة. كانت أتساءل: هل يعقد أن تكون عملية فتح الحسابات معقدة لهذه الدرجة؟

فتح حساب جاري لكل من هب ودب عملية متعبة، وفي النهاية ما نستفيد من العميل

لم تكن البنوك يوماً مؤسسات خيرية بالكامل، ولذلك فإن الربحية عامل مهم جداً في عمليات البنك جميعها، وهي تبدأ مع العملاء بفتح الحسابات الجارية، وما يترتب عليها من إيداع مبالغ نقدية تغذي عمليات البنك في عمليات الإقراض، مروراً بتقديم القروض والبطاقات الائتمانية للعملاء وغيرها.

من الملاحظ سابقاً أيضاً أن رفض فتح الحسابات كان يتم بمجرد نظرة فاحصة (سواء كانت دقيقة أو غير دقيقة) لحال الشخص الداخل للفرع. فمن كانت تبدو عليهم ملامح لا تدل على وجود أرصدة، يتم الاعتذار منهم بأي عذر مما ذكر أعلاه، أو مما لم يذكر أعلاه! لماذا العناء في فتح حساب جاري (كان يستغرق نصف ساعة أو أكثر) ثم عناء اصدار بطاقة الصراف الآلي (وتكاليف ارسالها بالبريد إذا لم تكن تصدر من الفرع مباشرة)، لشخص ربما لا يودع في رصيده أكثر من 100 ريال أو 500 ريال، وقد لا تبقى في الحساب لأكثر من عدة أيام؟

طلاب المدارس والجامعات كانوا من أكثر الفئات رفضاً. السبب كان واضحاً: لا يمكن أن يملك الطلاب في هذا العمر مبالغ نقدية يمكنهم ايداعها مباشرة عند فتح الحساب تساعد في رفع أرصدة الودائع للفرع والبنك بشكل عام، وقطعاً لا يملكون وظائف حالياً يمكن أن يحولوا رواتبها على البنك. ثم تستمر السلسلة: لذلك لا يمكن تقديم قروض شخصية أو بطاقات ائتمان لهم، ولذلك لن يحقق الفرع تارقت المبيعات الشهرية. لذلك هل “تسوى” على البنك يفتح حساب لهم ويضيع ساعة على كل واحد منهم؟

لكني قدرت أفتح حساب!

أتذكر كيف كنت أشاهد بعض زملائي في المدرسة وهم يستعرضون بطاقات الصراف الآلي التي حصلوا عليها مؤخراً. كنا نعلم أنه يوجد هناك نوع من ‘الواسطة’ في الموضوع. فلان أحد أقاربه مدير فرع البنك الفلاني في المنطقة الفلانية، فلان أخوه موظف في الفرع، وفلان أعطاه أبوه 10,000 ريال عشان يودعها لما يفتح حسابه. كان هذا هو الواقع الذي يجب التعايش معه: لن تتمكن من فتح حساب بنفسك بمجرد زيارة الفرع إلا بمعجزة.

في أحد ما فتح حساب جاري هالزمن؟

وهكذا تبدلت الأمور من حال إلى حال. التطورات التقنية -إلى جانب مجموعة من التغييرات والتحديثات التنظيمية أيضاً- جعلت من كل الصعوبات والعوائق في فتح الحسابات من الماضي. أصبح من المستغرب عدم وجود حساب لدى أي شخص حالياً. لم تعد الحسابات حكراً على أشخاص معينين بحسب تقدير كل بنك على حدى. لم تعد هناك شروط بخصوص الإيداع المبدئي عند فتح الحساب، أو شرط تحويل راتب مقابل فتح الحساب، وغيرها.

وأصبح الأن بمقدور من كان يتم رفض فتح حسابات لهم سابقاً أن يختاروا أي بنك يرغبون فيه، سواء “كان عندهم فيه واسطة أو لا”، وذلك بمجرد استخدام أجهزتهم المحمولة والحصول على الحساب في دقائق، دون إيداع هللة واحدة مسبقاً. و “خلاص ما عاد فيه الحين أروح الفرع والموظف يطالعني من فوق لتحت كأني أشحذ من عنده”. الأن بإمكانك فتح الحساب وانت معزز مكرم في بيتك، وعلى ما قال واحد من البنوك: افتح حسابك أونلاين قبل يجهز فشارك!